فصل: المارستانات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 المارستانات

قال الجوهريّ في الصحاح‏:‏ والمارستان بيت المرضى معرّب عن ابن السكيت وذكر الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه في كتاب أخبار مصر‏:‏ أن الملك مناقيوش بن أشمون أحد ملوك القبط الأول بأرض مصر أوّل من عمل البيمارستانات لعلاج المرضى وأودعها العقاقير ورتب فيها الأطباء وأجرى عليهم ما يسعهم ومناقيوش هذا هو الذي بنى مدينة أخميم وبنى مدينة سنتريه‏.‏

وقال زاهد العلماء أبو سعيد منصور بن عيسى‏:‏ أوّل من اخترع المارستان وأوجده بقراط بن أبو قليدس وذلك أنه عمل بالقرب من داره في موضع من بستان كان له موضعًا مفردًا للمرضى وجعل فيه خدمًا يقومونْ بمداواتهم وسماه اصدولين أي مجمع المرض وأوّل من بنى المارستان في الإسلام ودار المرض الوليد بن عبد الملك وهو أيضًا أول من عمل دار الضيافة وذلك في سنة ثمان وثمانين وجعل في المارستان الأطباء وأجرى لهم الأرزاق وأمر بحبس المجذمين لئلا يخرجوا وأجرى عليهم وعلى العميان الأرزاق‏.‏

وقال جامع السيرة الطولونية‏:‏ وقد ذكر بناء جامع ابن طولون وعُمل في مؤخره ميضأة وخزانة شراب فيها جميع الشرابات والأدوية وعليها خدم وفيها طبيب جالس يوم الجمعة لحادث يحدث للحاضرين مارستان ابن طولون هذا المارستان موضعه الآن في أرض العسكر وهي الكيمان والصحراء التي فيما بين جامع ابن طولون وكوم الجارح وفيما بين قنطرة السدّ التي على الخليج ظاهر مدينة مصر وبين السور الذي يفصل بين القرافة وبين مصر‏.‏

وقد دثر هذا المارستان في جملة ما دثر ولم يبق له أثر‏.‏

وقال أبو عمر الكندي في كتاب الأمراء‏:‏ وأمر أحمد بن طولون أيضًا ببناء المارستان للمرضى فبُني لهم في سنة تسع وخمسين ومائتين‏.‏

وقال جامع السيرة الطولونية‏:‏ وفي سنة إحدى وستين ومائتين بنى أحمد بن طولون المارستان ولم يكن قبل ذلك بمصر مارستان ولما فرغ منه حبس عليه دار الديوان ودوره في الأساكفة والقيسارية وسوق الرقيق وشرط في المارستان أن لا يُعالج فيه جنديّ ولا مملوك وعمل حمّامين للمارستان إحداهما للرجال والأخرى للنساء حبسهما على المارستان وغيره وشرط أنه إذا جيء بالعليل تُنزع ثيابه ونفقته وتحفظ عند أمين المارستان ثم يلبس ثيابًا ويُفرش له ويُغدى عليه ويُراح بالأدوية والأغذية والأطباء حتى يبرأ فإذا أكل فرّوجًا ورغيفًا أمر بالانصراف وأعطي ماله وثيابه وفي سنة اثنتين وستين ومائتين كان ما حبسه على المارستان والعين والمسجد في الجبل الذي يُسمى بتنور فرعون وكان الذي أنفق على المارستان ومستغله ستين ألف دينار وكان يركب بنفسه في كل يوم جمعة ويتفقد خزائن المارستان وما فيها والأطباء وينظر إلى المرضى وسائر الأعلاّء والمحبوسين من المجانين فدخل مرة حتى وقف بالمجانين فناداه واحد منهم مغلول‏:‏ أيّها الأمير اسمع كلامي ما أنا بمجنون وإنما عُمِلَت على حيلة وفي نفسي شهوة رمانة عريشية أكبر ما يكون فأمر له بها من ساعته ففرح بها وهزها في يده ورازها ثم غافل أحمد بن طولون ورمى بها في صدره فنضحت على ثيابه ولو تمكنت منه لأتت على صدره فأمرهم أن يحتفظوا به ثم لم يعاود بعد ذلك النظر في المارستان‏.‏

مارستان كافور هذا المارستان بناه كافور الإخشيديّ وهو قائم بتدبير دولة الأمير أبي القاسم أنوجور بن محمد الإخشيد بمدينة مصر في سنة ست وأربعين وثلاثمائة‏.‏

مارستان المغافر هذا المارستان كان في خطة المغافر التي موضعها ما بين العامر من مدينة مصر وبين مصلى خولان التي بالقرافة بناه الفتح بن خاقان في أيام أمير المؤمنين المتوكل على الله وقد باد أثره‏.‏

هذا المارستان بخط بين القصرين من القاهرة كان قاعة ست الملك ابنة العزيز باللّه نزار بن المعز لدين اللّه أبي تميم معدّ ثم عُرف بدار الأمير فخر الدين جهاركس بعد زوال الدولة الفاطمية وبدار موسك ثم عرف بالملك المفضل قطب الدين أحمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وصار يُقال لها الدار القطبية ولم تزل بيد ذريته إلى أن أخذها الملك المنصور قلاون الألفيّ الصالحيّ من مؤنسة خاتون ابنة الملك العادل المعروفة بالقطبية وعُوّضت عن ذلك قصر الزمرّد برحبة باب العيد في ثامن عشري ربيع الأوّل سنة اثنتين وثمانين وستمائة بسفارة الأمير علم الدين سنجر الشجاعيّ مدبر الممالك ورسم بعمارتها مارستانًا وقبة ومدرسة فتولى الشجاعيّ أمر العمارة وأظهر من الاهتمام والاحتفال ما لم يسمع بمثله حتى تم الغرض في أسرع مدة وهي أحد عشر شهرًاوأيام وكان ذرع هذه الدار عشرة آلاف وستمائة ذراع وخلفت ست الملك بها ثمانية آلاف جارية وذخائر جليلة منها قطعة ياقوت أحمر زنتها عشرة مثاقيل وكان الشروع في بنائها مارستانا أوّل ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وستمائة‏.‏

وكان سبب بنائه أنّ الملك المنصور لما توجه وهو أمير إلى غزاة الروم في أيام الظاهر بيبرس سنة خمس وسبعين وستمائة أصابه بدمشق قولنج عظيم فعالجه الأطباء بأدوية أخذت له من مارستان نور الدين الشهيد فبرأ وركب حتى شاهد المارستان فأعجب به ونذرأن آتاه اللّه الملك أن يبني مارستانًا فلما تسلطن أخذ في عمل ذلك فوقع الإختيار على الدار القطبية وعوّض أهلها عنها قصر الزمرّذ وولى الأمير علم الدين سنجر الشجاعيّ أمر عمارته فأبقى القاعة على حالها وعملها مارستانًا وهي ذات إيوانات أربعة بكلّ إيوان شاذروان وبدور قاعتها فقيهّ يصير إليها من الشاذروانات الماء واتفق أن بعض الفعلة كان يحفر في أساس المدرسة المنصورية فوجد حق اشنان من نحاس ووجد رفيقه قمقمًا نحاسًا مختومًا برصاص فاحضرا ذلك إلى الشجاعيّ فإذا في الحق فصوص ماس وياقوت وبلخش ولؤلؤ ناصع يدهش الأبصار ووجد في القمقم ذهبًا كان جملة ذلك نظير ما غرم على العمارة فحمله إلى أسعد الدين كوهيا الناصريّ العدل فرفعه إلى السلطان‏.‏

ولما نجزت العمارة وقف عليها الملك المنصور من الأسلاك بديار مصر وغيرها ما يقارب ألف ألف درهم في كلّ سنة ورتب مصارف المارستان والقبة والمدرسة ومكتب الأيتام ثم استدعى قدحًا من شراب المارستان وشربه وقال‏:‏ قد وقفت هذا على مثلي فمن دوني وجعلته وقفًا على الملك والمملوك والجند يّ والأمير والكبير والصغير والحرّ والعبد الذكور والإناث ورتب فيه العقاقير والأطباء وسائر ما يُحتاج إليه من به مرض من الأمراض وجعل السلطان فيه فرّاشين من الرجال والنساء لخدمة المرضى وقرر لهم المعاليم ونصب الأسرّة للمرضى وفرشها بجميع الفرش المحتاج إليها في المرض وأفرد لكل طائفة من المرضى موضعًا فجعل أواوين المارستان الأربعة للمرضى بالحميات ونحوها وأفرد قاعة للرمدى وقاعة للجرحى وقاعة لمن به إسهال وقاعة للنساء ومكانًا للمبرودين ينقسم بقسمين قسم للرجال وقسم للنساء وجعل الماء يجري في جميع هذه الأماكن وأفرد مكانًا لطبخ الطعام والأدوية والأشربة ومكانًا لتركيب المعاجين والأكحال والشيافات ونحوها ومواضع يخزن فيها الحواصل وجعل مكانًا يفرّق فيه الأشربة والأدوية ومكانًا يجلس فيه رئيس أطباء لإلقاء درس طب ولم يحص عدّة المرضى بل جعله سبيلًا لكل من يرد عليه من غنيّ وفقير ولا حدّد مدّة لإقامة المريض به بل يرتب منه لمن هو مريض بداره سائر ما يحتاج إليه ووكل الأمير عز الدين أيبك الأفرم الصالحيّ أمير جندار في وقف ما عينه من المواضع وترتيب أرباب الوظائف وغيرهم وجعل النظر لنفسه أيام حياته ثم من بعده لأولاده ثم من بعدهم لحاكم المسلمين الشافعيّ فضمن وقفه كتابًا تاريخه يوم الثلاثاء ثالث عشري صفر سنة ثمانين وستمائة ولما قرىء عليه كتاب الوقف قال للشجاعيّ‏:‏ ما رأيت خط الأسعد كاتبي مع خطوط القضاة أبصر إيش فيه زغل حتى ما كتب عليه فما زال يقرّب لذهنه أن هذا مما لا يكتب عليه إلاّ قضاة الإسلام حتى فهم ذلك فبلغ مصروف الشراب منه في كل يوم خمسمائة رطل سوى السكّر ورتب فيه عدّة ما بين أمين ومباشر وجعل مباشرين للإدارة وهم الذين يضبطون ما يُشترى من أصناف وما يُحضر منها إلى المارستان ومباشرين لاستخراج مال الوقف ومباشرين في المطبخ ومباشرين في عمارة الأوقاف التي تتعلق به وقرّر في القبة خمسين مقرئًا يتناوبون قراءة القرآن ليلًا ونهارًا ورتب بها إمامًا راتبًا وجعل بها رئيسًا للمؤذنين عندما يؤذنون فوق منارة ليس في إقليم مصر أجلّ منها ورتب بهذه القبة درسًا لتفسير القرآن فيه مدرّس ومعيدان وثلاثون طالبًا ودرس حديث نبويّ وجعل بها خزانة كتب وستة خدّام طواشية لا يزالون بها ورتب بالمدرسة إمامًاراتبًا ومتصدّرًا لإقراء القرآن ودروسًا أربعة للفقه على المذاهب الأربعة ورتب بمكتب السبيل معلمين يقرئان الأيتام ورتب للأيتام رطلين من الخبز في كلّ يوم لكلّ يتيم مع كسوة الشتاء والصيف‏.‏

فلما ولي الأمير جمال الدين أقوش نائب الكرك نظر المارستان أنشأ به قاعة للمرضى ونحت الحجارة المبنيّ بها الجدر كلها حتى صارت كأنها جديدة وجدّد تذهيب الطراز بظاهر المدرسة والقبة وعمل خمية تظل الأقفاص طولها مائة ذراع قام بذلك من ماله دون مال الوقف ونقل أيضًا حوض ماء كان برسم شرب البهائم من جانب باب المارستان وأبطله لتأذي الناس بنتن رائحة ما يجتمع قدامه من الأوساخ وأنشأ سبيل ماء يشرب منه الناس عوض الحوض المذكور وقد تورّع طائفة من أهل الديانة عن الصلاة في المدرسة المنصورية والقبة وعابوا المارستان لكثرة عسف الناس في عمله وذلك أنه لما وقع اختيار السلطان على عمل الدار القطبية مارستانًا ندب الطواشي حسام الدين بلالًا المغيثيّ للكلام في شرائها فساس الأمر في ذلك حتى أنعمت مؤنسة خاتون ببيعها على أن تعوّض عنها بدار تلمها وعيالها فعُوِّضت قصر الزمرّذ برحبة باب العيد مع مبلغ مال حمل إليها ووقع‏.‏

البيع علىهذا فندب السلطان الأمير سنجر الشجاعيّ للعمارة فأخرج النساء من القطبية من غير مهلة وأخذ ثلاثمائة أسير وجمع صناع القاهرة ومصر وتقدّم إليهم بأن يعملوا بأجمعهم في الدار القطبية ومنعهم أن يعملوا لأحد في المدينتين شغلًا وشدّد عليهم في ذلك وكان مهابًا فلازموا العمل عنده ونقل من قلعة الروضة ما احتاج إليه من العمد الصوّان والعمد الرخام والقواعد والأعتاب والرخام البديع وغير ذلك وصار يركب إليها كلّ يوم وينقل الأنقاض المذكورة على العجل إلى المارستان ويعود إلى المارستان فيقف مع الصناع على الأساقيل حتى لا يتوانوا في عملهم وأوقف مماليكه بين القصرين فكان إذا مرّ أحد ولو جلّ ألزموه أن يرفع حجرًا ويلقيه في موضع العمارة فينزل الجنديّ والرئيس عن فرسه حتى يفعل ذلك فترك أكثر الناس المرور من هناك ورتبوا بعد الفراغ من العمارة وترتيب الوقف فتيا صورتها ما يقول أئمة الدين في موضع أخرج أهله منه كرهًا وعمر بمستحثين يعسفون الصناع وأخرب ما عمره الغير ونقل إليه ما كان فيه فعمر به هل تجوز الصلاة فيه أم لا فكتب جماعة من الفقهاء لا تجوز فيه الصلاة فما زال المجد عيسى بن الخشاب حتى أوقف الشجاعيّ على ذلك فشق عليه وجمع القضاة ومشايخ العلم بالمدرسة المنصورية وأعلمهم بالفتيا فلم يجبه أحد منهم بشيء سوى الشيخ محمد المرجانيّ فإنه قال‏:‏ أنا أفتيت بمنع الصلاة فيها وأقول الآن أنه يكره الدخول من بابها ونهض قائمًا فانفض الناس‏.‏

واتفق أيضًا أن الشجاعيّ ما زال بالشيخ محمد المرجانيّ يُلح في سؤاله أن يعمل ميعاد وعظ بالمدرسة المنصورية حتى أجاب بعد تمنع شديد فحضر الشجاعيّ والقضاة وأخذ المرجاني في ذكر ولاة الأمور من الملوك والأمراء والقضاة وذمّ من يأخذ الأراضي غصبًا ويستحث العمال في عمائره وينقص من أجورهم وختم بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلًا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانًا خليلا ‏"‏ وقام فسأله الشجاعي الدعاء له فقال‏:‏ يا علم الدين قد دعا لك ودعا عليك من هو خير مني وذكر قول النبيّ‏:‏ ‏"‏ اللهمّ من ولى من أمر أمّتي شيئًا فرفق بهم فارفق به ومن شق عليهم فاشقق عليه ‏"‏ وانصرف‏.‏

فصار الشجاعيّ‏:‏ من ذلك في قلق وطلب الشيخ تقيّ الدين محمد بن دقيق العيد وكان له فيه اعتقاد حسن وفاوضه في حديث الناس في منع الصلاة في المدرسة وذكر له أن السلطان إنما أراد محاكاة نور الدين الشهيد والإقتداء به لرغبته فْي عمل الخير فوقع الناس في القدح فيه ولم يقدحوا في نور الدين‏.‏

فقال له‏:‏ إن نور الدين أسر بعض ملوك الفرنج وقصد قتله ففدى نفسه بتسليم خمسة قلاع وخمسمائة ألف دينار حتى أطلقه فمات في طريقه قبل وصوله مملكته وعمر نور الدين بذلك المال مارستانه بدمشق من غير مستحث فمن أين يا علم الدين تجد مالًا مثل هذا المال وسلطانًا مثل نور الدين غير أن السلطان له نيته وأرجو له الخير بعمارة هذا الموضع وأنت إن كان وقوفك في عمله بنية نفع الناس فلك الأجر وإن كان لأجل أن يعلم أستاذك علوّ همتك فما حصلت على شيء‏.‏

فقال الشجاعيّ‏:‏ الله المطلع على النيات وقرّر ابن دقيق العيد في تدريس القبة‏.‏

قال مؤلفه‏:‏ إن كان التحرج من الصلاة لأجل أخذ الدار القطبية من أهلها بغير رضاهم وإخراجهم منها بعسف واستعمال أنقاض القلعة بالروضة فلعمري ما تملك بني أيوب الدار القطبية وبناؤهم قلعة الروضة وإخراجهم أهل القصور من قصورهم التي كانت بالقاهرة وإخراج سكان الروضة من مساكنهم إلا كأخذ قلاون الدار المذكورة وبنائها بما هدمه من القلعة المذكورة وإخراج مؤنسة وعيالها من الدار القطبية وأنت إن أمعنت النظر وعرفت ما جرى تبين لك أن ما القوم إلاّ سارق من سارق وغاصب من غاصب وإن كان التحرّج من الصلاة لأجل عسف العمال وتسخير الرجال فشيء اَخر بالله عرفني فإني غير عارف من منهم لم يسلك في أعماله هذا السبيل غير أن بعضهم أظلم من بعض وقد مدح غير واحد من الشعراء هذه ومدرسةُ ود الخورنقُ أنهُ لديها خطير والسديرُ غديرُ‏.‏

مدينةُ علم والمدارسُ حولها قرىَ أو نجوم بدر هنّ مُنيرُ‏.‏

تبد تْ فأخفى الظاهرية نورها وليسَ يَظهر للنجوم ظهورُ‏.‏

بناء كأنَّ النحلَ هندسَ شكلَه ولانتْ له كالشمع فِيهِ صخورُ‏.‏

بناها سعيد في بقاعٍ سعيدةِ بها سعَدَت قبلُ المدارسِ نور‏.‏

ومن حيثما وجهتَ وجهُكَ نحوها تلقتك منها نضرة وسرورُ‏.‏

إذا قامَ يدعو اللهَ فيها مؤذن فما هو إلاّ للنجومِ سميرُ‏.‏

المارستان المؤيدي هذا المارستان فوق الصوة تجاه طبلخاناه قلعة الجبل حيث كانت مدرسة الأشرف شعبان بن حسين التي هدمها الناصر فرج بن برقوق وبابه هو حيث كان باب المدرسة إلاّ أنه ضيق عما كان أنشأه المؤيد شيخ في مدّة أوّلها جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثمانمائة وآخرها رجب سنة ثلاث وعشرين ونزل فيه المرضى في نصف شعبان وعُملت مصارفه من جملة أوقاف الجامع المؤيديّ المجاور لباب زويلة فلما مات الملك المؤيد في ثامن المحرّم سنة أربع وعشرين تعطل قليلًا ثم سكنه طائفة من العجم المستجدّين في ربيع الأوّل منها وصار منزلًا للرسل الواردين من البلاد إلى السلطان ثم عُمل فيه منبر ورتب له خطيب وإمام ومؤذنون وبوّاب وقومة وأقيمت به الجمعة في شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة فاستمرّ جامعًا تُصرف معاليم أرباب وظائفه المذكورين من وقف الجامع المؤيدي‏.‏

المساجد قال ابن سيده‏:‏ المسجد الموضع الذي يسجد فيه‏.‏

وقال الزجاج‏:‏ كلّ موضع يتعبدفيه فهو مسجد ألا ترى أن النبيّ قال‏:‏ ‏"‏ جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا ‏"‏ وقوله عز وجلّ‏:‏ ‏"‏ ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيه اسمه ‏"‏ المعنى على هذا المذهب أنه من أظلم ممن خالف قبلة الإسلام وقد كان حكمه أن لا يجيء على مفعل لأن حق اسم المكان والمصدر من فعل يفعل أن يجىء على مفعل ولكنه أحد الحروف التي شدت فجاءت على مفعل‏.‏

قال سيبويه‏:‏ وأما المسجد فإنهم جعلوه اسمًا للبيت ولم يأت على فَعَلَ يفعَلُ كما قال في المدق‏:‏ أنه اسم للجلود يعني أنه ليس على الفعل ولو كان على الفعل لقيل مدق لأنه آلة والآلات تجىء على مَفْعَلْ كمخزن ومكنس ومكسح والمسجدة الجمرة المسجود عليها وقوله تعالى وإن المساجد للّه قيل هي مواضع السجود من الإنسان الجبهة واليدان والركبتان والرجلان‏.‏

وقال الشريف محمد بن أسعد الجوّانيّ في كتاب النقط على الخطط عن القاضي أبي عبد الله القضاعيّ‏:‏ أنه كان في مصر الفسطاط من المساجد ستة وثلاثون ألف مسجد‏.‏

وقال المسبحيّ في حوادث سنة ثلاث وأربعمائة‏:‏ وأحصى أمير المؤمنين الحاكم بأمر اللّه المساجد التي لا غلة لها فكانت ثمانمائة مسجد فأطلق لها في كلّ شهر من بيت المال تسعة آلاف ومائتين وعشرين درهمًا وفي سنة خمس وأربعمائة حبس الحاكم بأمر الله سبع ضياع منها اطفيح وطوخ على القرّاء‏.‏

والمؤذنين بالجوامع وعلى ملء المصانع والمارستان وفي ثمن الأكفان‏.‏

وذكر ابن المتوّج أن عدّة المساجد بمصر في زمنه أربعمائة وثمانون مسجدًا ذكرها‏.‏

المسجد بجوار دير البعل قد تقدّم في أخبار الكنائس والديارات من هذا الكتاب خبر دير البعل وأنه يُعرف بدير الفطير ولما كان في سنة خمس وسبعين وستمائة خرج جماعة من المسلمين إلى دير البعل فرأوا آثار محاريب بجوار الدير فعرّفوا الصاحب بهاء الدين بن حنا ذلك فسير المهندسين لكشف ما ذكر فعادوا إليه وأخبروه أنه آثار مسجد فشاور الملك الظاهر بيبرس وعمره مسجدًا بجانب الدير وهو عامر إلى الآن وبت به وهو من أحسن مشترقات مصر وله وقف جيد ومرتب يقوم به نصارى الدير‏.‏

مسجد ابن الجباس هذا المسجد خارج باب زويلة بالقرب من مصلّى الأموات دون باب اليانسية عرف بالشيخ أبي عبد اللّه محمد بن عليّ بن أحمد بن محمد بن جوشن المعروف بابن الجباس بجيم وباء موحدة بعدها ألف وسين مهملة القرشيّ العقيليّ الفقيه الشافعيّ المقريء كان فاضلًا صالحًا زاهدًاعابدًا مقرئًا كتب بخطه كثيرًا وسمع الحديث النبويّ ومولده يوم السبت سابع عشر ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وستمائة بالقاهرة ووفاته‏.‏